على خشبة مسرح قاعة الريو بالعاصمة تونس، تم مساء أمس الاثنين 25 نوفمبر 2024 عرض مسرحية ”لعبة النهاية” وهي من بين العروض المبرمجة في مهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورته الخامسة والعشرين.
ويمثل العمل مصر في المسابقة الرسمية للمهرجان، وكان بمثابة رحلة فلسفية عبر عوالم العجز والعزلة والتساؤل عن معنى الحياة.
ورغم أن هذا العرض كان الثاني للمسرحية في اليوم نفسه، إلا أن قاعة الريو كانت مكتظة بالجمهور المتلهف للمشاركة في هذه التجربة الفريدة، حضور حاشد يوضح الاهتمام الكبير الذي يحظى به مهرجان أيام قرطاج المسرحية، كما حضر عرض المسرحية السفير المصري في تونس باسم حسن، إلى جانب وفد دبلوماسي.
رحلة فلسفية في عالم العبث
مسرحية “لعبة النهاية” هي اقتباس من العمل الشهير Endgame للكاتب الأيرلندي صامويل بيكيت، الذي يعتبر من رواد المسرح العبثي.
ويعالج النص الأصلي أفكارًا فلسفية معقدة حول العجز الوجودي، والانتظار، وفقدان الأمل، وكلها مفاهيم تتناغم مع واقع الإنسان المعاصر.
وتدور أحداث المسرحية حول أربع شخصيات، يتجسد كل منها بشكل مختلف في حياتنا اليومية، معبرة عن جوانب من النفس البشرية المأزومة.
“هام” هو الرجل العاجز عن الحركة والبصر، الذي يقبع في كرسيه المتحرك في عزلة تامة، هذا الرجل يرى الحياة من خلال خادمه “كلوف”، الذي يحمل همومه وتلبية رغباته على الرغم من استيائه الداخلي من هذه العلاقة المرهقة.
كلوف هو الخادم الذي لا يعرف سبب طاعته لسيده ولكنه في الوقت نفسه لا يجد مفرًا من الاستمرار في خدمته.
أما الشخصيتان الأخريان في العرض فهما “ناج” و”نيل”، فيعيشان في براميل صدئة ككائنات رمزية للموت أو الماضي البعيد، إذ يمثلان والدي “هام”، اللذين توفيا منذ وقت طويل ولكنهما مازالا يعيشان في خيال ابنهما.
وبين هذه الشخصيات الأربعة، يتشكل حوار عبثي غارق في الأسئلة الوجودية والتساؤلات حول الهدف من الحياة. هذا الحوار قد يبدو هذيانيًا أحيانًا، لكنه يحمل في طياته تأملات عميقة في مفهوم الحياة والموت.
صراع الطاعة والانفصال
في تطور درامي مثير، يصل “كلوف” إلى نقطة تحول في المسرحية، حيث يقرر أن ينفصل عن سيده “هام” ويواجه المجهول، محاولًا الهروب من قيود الحياة المستقرة في العجز والموت البطيء.
بينما يظل “هام” جالسًا في مكانه، عالقًا بين أفكار وحيدة، غير قادر على التفاعل مع العالم من حوله، في انتظار النهاية. هذه النهاية هي الحافة التي تفصل بين الحرية والموت، بين مواجهة المجهول أو الانزواء في الراحة الوهمية.
وبعيدًا عن النص البديع، كان للعرض في جوانبه الفنية دور كبير في تعزيز قوة التأثير، حيث قدمت المجموعة الفنية التي تعاونت على تنفيذ هذا العمل جهدًا كبيرًا في إظهار العمل بأبهى صورة.
وأضفى المخرج السعيد قابيل على المسرحية روحًا جديدة بتقديمه رؤية معاصرة لنص بيكيت، فمزج بين الأسلوب التقليدي والحديث، وجعل من كل لحظة على خشبة المسرح فرصة لتوجيه رسالة فلسفية عميقة.
وكان لأداء كل من محمد فوزي الريس، محمد صلاح، محمود ذكي، ولمياء جعفر دور كبير إذ أبدعوا في تجسيد الشخصيات بأسلوب يلامس الوجدان، مع تقديم أداء مليء بالعمق والتوتر الداخلي الذي يتطلبه النص.
كما أن ديكور أحمد جمال كان له دور محوري في تجسيد الفكرة الجوهرية للعمل، حيث كان المكان بديلاً للمحيط الحي، مساحة تختزل كل معاني العجز..
الإقبال الكبير للجمهور
وفي تصريح خاص له “لموزاييك”، عبر بطل المسرحية محمد صلاح عن سعادته الكبيرة بمشاركته في مهرجان أيام قرطاج المسرحية، مؤكداً أنه فوجئ بالإقبال الكبير للجمهور التونسي واهتمامه العميق بالفن المسرحي وقيمه.
وأضاف قائلاً: “الجمهور التونسي ملتزم جدًا بالمسرح، وهذه واحدة من أهم الخصائص التي تميزه، حيث يتابع كل عرض بعين ناقدة وواعية لقيمة المسرح في الحياة الثقافية.”
كما أكد بطل المسرحية أن “لعبة النهاية” هي رؤية فنية مستوحاة من النص المسرحي الشهير Endgame ، مشيرًا إلى أن تقديم هذا العمل على خشبة المسرح هو بمثابة تحدٍ كبير، يتطلب الكثير من الجهد والتفكير الفلسفي لتمرير الرسائل العميقة التي يحملها النص خاصة أنه كتب باللهجة المصرية.
وأشار الممثل أيضًا إلى مسيرته الطويلة في عالم المسرح، قائلاً: “أنا ابن المسرح، وعملت في هذا المجال لأكثر من 30 عامًا. خضت العديد من التجارب الفنية التي أثرت في تجربتي كممثل، كل خطوة في مسيرتي كانت بمثابة إضافة حقيقية تجعلني أستمر في تقديم الأفضل.”
التراث العالمي
“لعبة النهاية” لا تقتصر على كونها مجرد عرض مسرحي مقتبس عن نص عالمي، بل هي اختبار لكيفية نقل الفلسفات المسرحية العميقة من سياق ثقافي إلى آخر.
ومع أن النص الأصلي كتب في منتصف القرن العشرين، إلا أن مواضيعه تظل حاضرة في زمننا هذا، بما يعكس تعقيدات الوجود البشري.
وتقدّم المسرحية رؤية جديدة للعبثية الوجودية، وتطرح تساؤلات تبقى مفتوحة أمام كل فرد، في رحلة غير مكتملة نحو الفهم أو الخلاص.
مسرح الطليعة
مسرحية “لعبة النهاية”، هي من إنتاج مسرح الطليعة وهو واحد من أبرز المسارح المصرية التي لعبت دورًا حيويًا في تطوير الحركة المسرحية في مصر منذ تأسيسه، إذ ارتبط اسمه بالتجديد والتجريب في مجال المسرح.
تأسس المسرح في ستينيات القرن الماضي كجزء من جهود الدولة لتقديم فن مسرحي يعبر عن قضايا المجتمع بروح تقدمية، ويتجاوز الأنماط التقليدية التي كانت سائدة آنذاك