وطنية

“ألهاكم التكاثر” لنجيب خلف الله: عندما يتحدّث الجسد عن غدر السياسي

Spread the love

 

احتضنت قاعة المونديال بتونس العاصمة مساء الاثنين 15 جانفي 2018 عرضا مسرحيا راقصا بعنوان “ألهاكم التكاثر” للمخرج والكوريغرافي نجيب خلف الله، و هي مسرحيّة من إنتاج المسرح الوطني التونسي، وذلك ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي المنعقدة بتونس والتي تنظمها الهيئة العربية للمسرح.
“ألهاكم التكاثر” عرض كوريغرافي حاول من خلاله صاحبه نجيب خلف الله أن يقدم رؤية الفنان من خلال الرقص والتعبير الجسدي لما يجري في البلاد (تونس) منتقدا مظاهر العنف والتطرف، وعدم توفر إرادة من السلطة السياسية لإيقاف هذا النزيف، كما انتقد خلف الله تهافت السياسيين على الكراسي، وتناحرهم على المناصب، وعدم اكتراثهم بمعاناة المواطن البسيط
“ألهاكم التكاثر.. ألهاكم التناحر.. ألهاكم التسابب.. ألهاكم التهافت… عن الرقيّ بالبلاد، عن المصلحة العامة” بهذه الكلمات التي اختارها نجيب خلف الله مصاحبة لعرضه الكوريغرافي الراقص كان واضحا ودقيقا في رسالته، هو فقط وظف الأجساد لتتحدث بالحركة عن الآن وهنا.. فمن حركة سلسة إيجابية إلى حركة فوضوية سلبية معبرة عن القلق والألم.. ألم مما فعله الساسة بهذا الوطن.
على مدار 70 دقيقة، تستمتع بأداء وتعبير الراقصين في “ألهاكم التكاثر” على غرار مريم بوعجاجة وآمنة المولهي وسندة الجبالي ووائل المرغني.
ومع صوت المخرج نجيب خلف الله المرافق للعرض في ردهات منه في قراءة لنص الكاتب الفرنسي سيلفان بيرثلوت تلمس روح المخرج وبصمته الفنية الخالصة والخاصة، فيها ومن خلالها يخرج بالبعدين المكاني والزماني لنصه إلى بعد أشمل هو البعد الإنساني
في “ألهاكم التكاثر” ركز نجيب خلف الله على حركة الراقصين وتعابير وجوههم فقدموا مواقف معبرة عن القلق وصراع الساسة، وتهافتهم على المناصب والكراسي، ليحدثوا الخراب غير آبهين بالوطن…ولكن رغم ذلك لم يدّع الحكمة ولم يقدم حلولا، وإنما أثار عديد الإشكاليات والاستفهامات، تاركا المجال رحبا أمام المتفرج ليبحر معه ويفكر مثله في الوضع القاتم الذي آلت إليه البلاد.
وفي الواقع نقل مخرج “ألهاكم التكاثر”، معاناة المجتمع عبر حركات أجساد أبطال العمل واختار لهذه الحركات موسيقى مصاحبة لا تخلو من الرتابة والحزن، ليرفق الموسيقى بصدى الأصوات المنبعثة من ملامسة أجساد الراقصين لخشبة المسرح وحتى بصدى شهيقهم وزفيرهم ورنات آهاتهم، لتكون المشاهد عبارة عن لوحات حية لمضمون قاتم، ولعل في ذلك نبرة من الأمل يحملها صاحب العمل وطموح جامح للتغيير يطفو بين الفينة والأخرى والمشهد والآخر
في تطور حركات الأجساد ومع دخولها في حركات فوضوية تلمس انبعاثا جديدا لحياة جديدة، إنها الفوضى الخلاقة التي أراد من خلالها صاحب ألهاكم التكاثر، أن يقدم قراءته الإيجابية التي قد لا تبدو كذلك لكن رمزياتها كانت مضمنة بين الحركات والمشاهد… فمن تحت النار تنبعث الحياة.
قد يكون نجيب خلف الله استعار من النص القرآني المقدس عنوان عمله ولهذا العنوان أكثر من دلالة فيما يخص مصطلح التكاثر، لكن ما لم يقله المخرج والنابع من محيطه وثقافته كان جليّا.
في “ألهاكم التكاثر” تستحضر الشابي أحيانا ومحمود درويش أحيانا أخرى وذلك ليس من قبيل الصدفة بل لأن العرض كان محملا بقضية وطنية أكساها بعدا إنسانيا، لكن ما جاء قاتما وموجعا في ما قدمه خلف الله هي تلك السوداوية في معنى التكاثر والتي كادت تقطع بعد الأمل في العمل، لولا عمق الطرح والتناول، والأداء الجيد للراقصين.


Spread the love

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *