شرفت رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان صباح اليوم على افتتاح أشغال الندوة الوطنية الثلاثية رفيعة المستوى حول الحوار الاجتماعي عُقدت بأحد نزل العاصمة، تمحورت حول ‘إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس من أجل إنجاح التعافي بعد جائحة كوفيد-19: الحوار الاجتماعي كرافعة للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي” وذلك بحضور وزير الشؤون الاجتماعية السيد مالك الزاهي والامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السيد نور الدين الطبوبي ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية السيد سمير ماجول ومديرة مكتب منظمة العمل الدولية لبلدان المغرب العربي السيدة رانيا بخعازي وعدد من ضيوف تونس.
وفي كلمتها الافتتاحية، توجّهت رئيسة الحكومة بالشكر لدولة النرويج التي تموّل عديد برامج التأطير الاجتماعي في إطار شراكات ثنائية والاستئناس بالتجربة النرويجية في مأسسة الحوار الاجتماعي لاسيما في ظلّ الظرف الدولي والإقليمي الدقيق الذي يستدعي التوجّه نحو المزيد من الشراكات الفاعلة وتعزيز التضامن بما من شأنه أن يساعد على مواجهة التحديات الماثلة والمضيّ قدما على درب التعاون الشامل والمستدام من مخلفات جائحة كوفيد-19.
واعتبرت السيدة نجلاء بودن أن مجابهة الأزمات لا يكون إلاّ وفق مقاربات دولية تضامنية كما هو الشأن للتصدي لجائحة كورونا وشراكات فاعلة قادرة على احداث التغيير وتحقيق التنمية المستدامة والمتكافئة والمتضامنة مبرزة أن تبعات أزمة الكورونا وإلى جانب الخسائر البشرية، أسفرت الأزمة الصحية عن تداعيات اقتصادية واجتماعية جسيمة منها تراجع نسب النمو وتفاقم البطالة وارتفاع نسب الفقر، الأمر الذي عمّق التفاوت الاقتصادي بين الدول.
وتابعت أنه في الوقت الذي كانت فيه المجموعة الدولية تحاول تجاوز تداعيات كوفيد-19 وما خلفته من آثار مدمّرة، جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتفاقم التحديات القائمة ومن حدّة الأزمة الغذائية والطاقية نتيجة تعطّل سلاسل الإنتاج ومسارات الامدادات ونقص المواد الأساسية وغلاء غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية وارتفاع نسب التضخّم والديون.
واعتبرت أن مختلف الأزمات المتواترة أثّرت على عالم العمل بشكل عميق وأضحى يتطلّب حلولا جذريا من أجل إعادة البناء بشكل أفضل وفق مقاربة شاملة محورها الانسان وهدفها العدالة الاجتماعية وتوفير العمل اللائق للجميع.
وأضافت أن جائحة كوفيد قد دفعت فعلا الحاجة دوليا واقليما ووطنيا إلى مراجعة السياسات التنموية الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة وتأسيس خارطة طريق جديدة وفق مقاربة تشاركية وجامعة من أجل بلورة السياسات الفاعلة للاستجابة لمخلفات الأزمة وتعزيز قدرة الدول والمجتمعات على الصمود وعلى تحويل التحديات إلى فرص حقيقية للتنمية الشاملة والمستدامة بغاية تحقيق الاستقرار الاجتماعي.
وأبرزت أن نداء منظمة العمل الدولية القاضي بالعمل على التعافي من جائحة كوفيد وفق مقاربة محورها الحوار الاجتماعي بالاعتماد على تمشي تنموي يضع العنصر البشري في قلب السياسات المستقبلية الرامية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد كوفيد معتبرة أن الحوار الاجتماعي ليس بغريب على تونس وقد دأبت عليه بغاية بلورة حلول مشتركة للقدرة على الصمود.
وفي سياق متصل، أفادت رئيسة الحكومة أن المنوال التنموي المعتمد في تونس منذ عقود أثبت عدم قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة وفاقم التفاوت الجهوي ولا يستجيب للإصلاحات الكبرى ولمتطلبات التنمية الشاملة والمندمجة التي نتطلع إليها ما يستوجب ابتكار منوال تنموي يأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية ويحترم مبادئ الشفافية ويسهم في تحقيق المساواة.
وأبرزت أن الحكومة ،منذ توليها المسؤولية ،أعدّت جملة من الإصلاحات وفق مقاربة مبنيّة على التشاركية والحوار بنسق حثيث إلى أن تُوجّت الجهود بالاتفاق الذي وقع في 15 أكتوبر الماضي على مستوى خبراء صندوق النقد الدولي مطمئنة في هذا الاطار الشعب التونسي ودعوته للتمسك برباط الثقة بدولته ووطنه والمضيّ قدما في تحقيق التطلعات مشدّدة أن الاقتصاد التونسي في طريقه إلى التعافي والاستقرار.
كما شددت على أن الحكومة عازمة على تجاوز مختلف التحديات واسترجاع التوازنات المالية واستكمال مسار الإصلاح الذي شرعت في تنفيذه عبر إرساء إجراءات عاجلة لتنشيط الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات، مذكرة في هذا الصدد بصدور المرسوم المتعلق بتحسين نجاعة إنجاز المشاريع العمومية والخاصة والأمر المتعلق بالمراجعة الاستثنائية لأثمان الصفقات العمومية ، هذا إلى جانب تثمين الرأس المال البشري بارساء المجلس الأعلى للتربية والتعليم والذي سيمهد لاصلاح جذري للمنظومة التربوية في بلادنا مع دعم الاستثمار في الموارد البشرية التي مثلت ولاتزال أهم استثمار منذ الاستقلال.
وحول الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة بينت السيدة نجلاء بودن رمضان أنها كانت وفق منهجية جامعة وحوار واع ومسؤول مع مختلف الشركاء الاجتماعيين وقد أفضت إلى التوصل إلى جملة من الاتفاقات الإطارية حول الزيادات في الأجور والمنح إضافة إلى الترفيع في الأجر الأدنى المضمون بداية من الشهر الحالي كما تم التوصل مؤخرا إلى اتفاق ثلاثي بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بمباركة من منظمة العمل الدولية.
وفي ختام كلمتها توجهت رئيسة الحكومة برسالة لشباب تونس قالت فيها أن “تونس هي وطنكم لكم فيها ما تعملون وما تصنعون وما تبنون من آمال وما تحققون من أحلام.. فلنكن معا من صناع أمل وحياة، ونثمن ما نبني ونصلح ما يجب إصلاحه ونعمل بحزم وعزم حتى نحقق ما نسمو إليه جميعا من كرامة وعدالة وحرية وتنمية… طريقنا واحد نحو تحقيق مشروعنا المنشود فلنرفع هذا الرهان والتحديات معا”.